بسم الله الرحمن الرحيم
بدايةً ليس قصدي من هذه التدوينة
التفاخر أو التباكي
إنّما أخذك للعبرة وما يفيدك كعبد زكي
وقد جاءت بطلب أحد الأقارب
فقلت مستعينا بربّي ربّ الأرباب
تاريخ عندي لا ينسى
25 - 11
................................................................................
عام خمسة وعشرين هجرية
وفي حدود اليوم الخامس والعشرين
قبله ببضعة أيام
فارقنا معه جدتي - رحمها الله -
وفي يوم خمسة وعشرين من هذا العام
فارقناه رحمه الله
"جَدِّي"
ما أشبه تاريخ الليلة بالبارحة
في لحظات سريعة تمر على خيالي
أستذكر بعض مواقفك الطيبة التي تتسنى لي
صحيح أنني من أحفادك ولست من الأبناء
الذين لهم معك كثير الأحداث والأنباء
ولكن لم تخلو حياتي من جميل ذكرياتك
وحلو كلامك وجميل صفاتك
وصادق وصاياك التي هي أجمل أعطياتك
نعم أحبتي هذا "جَدِّي"
رحمه الله
نحسبه والله حسيبه ممن حسنت سيرته
وكان في أعماله ممن طابت وخلصت نيته
عاش محبا للصلح والإصلاح
وكثيرا ما حذر من الفتنة والدروب القباح
لم يحظ بالعلم المنهجي ولكنه كان لنا منهجا في التربية
ومنها على سبيل المثال لا التبليغ
أنني أحببت بسببه الكلام البليغ
فما إن أجلس معه
حتى يسألني علومك ولو لم أغب الا معه
يريد العلم المتسلسل على الطريقة الجنوبيه
التي تخرج بسلاسة بعيدة عن التكلف والرسميه
ومن تربيته أنه كان يأخذنا معه في صغرنا
لخاصة اصحابه ليحرصنا على كثير من أمرنا
واكرم بهم من صحبة
لا تخرج عند مثلهم إلا مليء الجعبة
لذلك إن بحثت عن خاصة صحبته
ورفاق دربه الذين أعلن و اعلنوا محبته
فستجدهم مثله ..
لم يجمعهم تفوق في العلم أو المناصب
و لا تجارة أو مصالح تقسم بالمقاصب
بل الدين والمحبة في الله
وعلى رأسهم ثلاثة لم أنسهم من كثرة ما تردد عليهم
رجلان منهما
اشتهرا في المنطقة بالاصلاح والصلاح
والعلم والحكمة
الشيخ المشهور والواعظ المصلح
حنش بن حبيب أطال الله عمره وأحسن خاتمته
من رؤوس اهالي بني كنانة تحديدا قرية الغمد
والشيخ المؤذن الصالح
الجد سويد أطال الله عمره وأحسن خاتمته
من رؤوس اهالي بالخزمر تحديدا قرية مولغ
وأما الثالث
فكان يسميه رفيق الدرب وصديق الروح
بل كل منهما
يحب الآخر ويعده أفضل من أبنائه
وقد سمعت هذه المقوله من كليهما بأذني
لم تنقل عن غيري بل مني
وهو الشيخ الصالح المتعلم الحكيم
علي القدادي أطال الله عمره وأحسن خاتمته
من رؤوس اهالي محافظة القرى تحديدا قرية الحكمان
ويسكن منذ زمن مدينة الدمام
وقديما قالوا
عن المرء لا تسل وسل عن قرينه
فكل قرين بالمقارن يقتدي
جدي رحمه الله الذي جاوز عمره
97 سنة جزما
لم ينشئ بنيه إلا على حب الشيمة و الكرم
والتآلف ، و كبيرهم عند صغيرهم محترم
لم يعلق بنيه بالدنيا وإن كان قد حرصهم على الطموح
لكن بالقدر الذي يكون مستطاعا ومسموح
وكان همه اقامة المحبة والتآلف
ونبذ الفرقة بينهم الذي منشأه التخلف
فليس الأخ الذي خيره يجتاز أخيه
ليستقر في يد معاديه
وليس القريب
الذي يده تطول الغريب
وقريبه
الذي يرجو ذاك الغريب
بدلا من القريب
وليس الغريب المحتاج الصادق
مبعدا عن كرمه إن هو لبابه دق
فلمحه محتاجا بذكائه الحاذق
لا ندعي له الكمال فالكمال عزيز
لكنه أُمِّيٌ اجتهد والله المجيز
اختتم طيب مسيرته بالصبر آخر حياته
على مرض أقعده طريح الفراش أغلب لحظاته
وإني لأحتسب عند رب السماء
أن يكون بسببه من الشهداء
ومع شدة مرضه وقبل وفاته بثلاثة ايام تهل
يصنع صنيعا عجيبا لمن حوله من الاهل
في أحداث متتالية عجيبة
لا أحمل لها في نفسي تأويلا
إلا التوفيق
من الذي لم يزل في عليائه عظيما جليلا
يطلب اخراجه من المستشفى ليستقبل الضيوف !!
بين قوسين
( وقد حدثني أخي أن الجد أشار إليه بأمر عجب
أنه رأى أحد أصحابه الذين قد قضوا نحبهم
لذلك يريد أن يستقبل ضييوف !! )
يطلب من أبنائه في الظهر أمرا فيه تبادل للآراء
هم يقولون له فيه نريد رضى الله ثم رضاك
فيرد بل رضى الله وحده
ثم يزيدهم دهشة وإسعادا في العصر
فيتصدق بمبلغ كبير نسبيا
على من هم على مثل حاله ماديا
ويجعله في بناء بيت من بيوت الله
فما اعظم صنيعه وما احلاه
ثم يزيدهم فيطلب إكرام أهل قريته وأنسابه
فيجمعهم في اليوم التالي على مؤدبة عشاء
ليمتع هو ناظره بوداع أحبابه
ويدخل بعدها في دائرة الاحتضار
دون أن يكون ظاهرا لكل الأنظار
من قبيل المغرب إلى ما بعد العشاء
ليلفظ أنفاسه الأخيرة ويرخى عليه ذلك الغشاء
غشاء نزع الروح الذي سيأتينا
وإن طالت أعمارنا وعلت مبانينا
ناطقا للشهادة
على كف ابن عمي ذو الخبرة والرشادة
جزاه الله عنا الخير والسعادة
وما أحسن نور محياه حين ودعناه
ووالله ما نحب فراق ذلك الوجه ولا كرهناه
وفي ذلك كتبت حينها
ايا صاحب العفو الحفي
ايا ماسحا دمع اليتيم
أيا منفق الأربعين الصفي
أيا جامع الضيف الكريم
ايا من نطقت بصوت خفي
وروح تغرغر وجسم حطيم
شهادة ربي التي يحتفي
بها كل عبد سديد سليم
لكنه أمر الله الذي رضينا به شرعا وقدرا
ولا بد أن يمر بنا ولو عشنا دهرا
اللهم أحسن لي وللقارئين الخاتمة
واجعل مآلنا وعاقبتنا إلى خير
اللهم اغفر للجد عايض بن جمعان
واجعله يا ربّ ممن فاز بأعالي الجنان
اللهم اغفر لنا ولوالدينا ووالديهم ولمن له حق علينا وعليهم
محبكم
أبو المسفرة
1437-11-11